الدكتور أشرف عطية.. يكتب / غياب الحلم الوطني

حين يخلوا الواقع من طموحات الشعب ومكتسباته التي أقرها الدستور وضمنها القانون، يفقد الوطن جوهر معناه، وتتحول العلاقة بين الدولة ومواطنيها إلى معادلة باردة بلا روح. فالشعب حين لا يجد في واقعه صدىً لأحلامه، ولا في قرارات حكومته انعكاسًا لآماله، ينكفئ إلى داخله، ويغلق أبواب الرجاء، لتخبو في صدره شعلة الانتماء التي كانت يومًا تضيء دروب الكفاح والبناء.
العدالة حين تغيب، تُخلّف وراءها فراغًا أخلاقيًا هائلًا، تملؤه الأنانية والمصالح الضيقة، وتعلو فيه أصوات الفئوية على صوت الوطن. فحين لا يجد المواطن طريقًا شريفًا يوصله إلى حقه، يفتش عن ممرٍ جانبي، وحين لا يطمئن إلى عدالة القانون، يلوذ بدهاء المصلحة. وهكذا تذبل القيم، وتتآكل الثقة، وينكمش الوطن في نفوس أبنائه، حتى وإن اتسعت مساحته على الخريطة.
ليس أخطر على الأوطان من فقدان الإيمان بالعدل. فالاقتصاد قد ينهض بعد أزمة، والسياسة قد تستعيد توازنها بعد اضطراب، أما الثقة حين تنكسر بين الشعب وحكومته، فإن ترميمها يحتاج إلى زمنٍ طويل وإرادة صادقة. فالشعوب لا تطلب المستحيل، بل تطلب أن يُسمع صوتها، وأن تُحترم كرامتها، وأن تُترجم النصوص الدستورية إلى واقعٍ معاش، لا إلى شعارات تُقال في المناسبات.
وإذا كان الانتماء شعورًا ينبع من القلب، فإن رعايته لا تكون بالخطب ولا بالشعارات، بل بالسياسات العادلة التي تجعل المواطن يرى نفسه في صورة وطنه. فحين تتحقق العدالة، وتُصان الحقوق، يُصبح الدفاع عن الوطن فطرةً لا تُطلب، وإخلاصًا لا يُشترى.
إن بناء وطنٍ عادل لا يبدأ من القوانين وحدها، بل من الإرادة التي تطبّقها بعدل، ومن الإيمان بأن كرامة الإنسان هي الركيزة الأولى لأي نهضة. فإذا استعاد الشعب ثقته، عاد الحلم، وإذا عاد الحلم، عاد الوطن إلى الحياة.
ولكم مني خالص تحياتي
د. أشرف عطيه



