Blog

الدكتور أشرف عطية.. يكتب / أحداث السودان وخطورة الموقف على الأمن القومي المصري

تتسارع وتيرة الأحداث في السودان بشكل ينذر بعواقب إقليمية خطيرة، إذ لم تعد الأزمة هناك شأنًا داخليًا، بل تحولت إلى ساحة صراع إقليمي ودولي متشابك. فالمعارك الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع لم تعد مجرد تنافس على السلطة، بل أصبحت تمس جوهر الأمن القومي المصري وتمثل تهديدًا استراتيجيًا مباشرًا لحدود مصر الجنوبية واستقرارها الإقليمي.
فمنذ اندلاع الصراع بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، يشهد السودان انهيارًا متسارعًا لمؤسسات الدولة. ومع اتساع رقعة القتال، برزت ممارسات وحشية من جانب قوات الدعم السريع، شملت القتل والاعتقال والتطهير العرقي والتهجير، خصوصًا في إقليم دارفور الذي يلوّح شبح انفصاله مجددًا.
والخطير في تطورات الموقف ليس فقط حجم العنف، بل التحالفات المشبوهة التي بدأت تتشكل حول قوات الدعم السريع، إذ ظهرت مؤشرات على دعم إقليمي من بعض الدول الطامحة إلى بسط نفوذها في السودان واستغلال حالة الفوضى لتمزيق الدولة.
والمؤسف أن هذه التحالفات تُدار بأجندات خفية تتقاطع مع المشروع الصهيو.ني الرامي إلى إحاطة مصر بسلسلة من النزاعات والدويلات الضعيفة لتفريغها من دورها التاريخي في قيادة المنطقة والدفاع عن القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
إن دارفور اليوم ليست مجرد إقليم مشتعل، بل مشروع دولة قيد التكوين تحت رعاية قوى خارجية. فالحديث عن “استقلال” دارفور يعني ولادة كيان جديد على حدود مصر الجنوبية الغربية، قد يتحول إلى مركز للفوضى المسلحة والمرتزقة والتهريب.
وهو ما يمثل خطرًا جسيمًا على مصر التي تعتمد على حدودها الجنوبية كعمق استراتيجي، فقيام كيان غير مستقر أو موالٍ لقوى معادية سيشكل تهديدًا مزدوجًا ، أمنيًا وعسكريًا من ناحية، واقتصاديًا وديموغرافيًا من ناحية أخرى، بسبب احتمالية تدفق اللاجئين والمسلحين.
لذا لا يمكن إغفال البعد الصهيو.ني في ما يجري، فإسر.ائيل ضمن استراتيجيتها التاريخية تسعى لإضعاف مصر عبر إشعال بؤر التوتر في محيطها الجغرافي من جنوب السودان سابقًا، إلى ليبيا غربًا، مرورًا بـ سيناء شرقًا، وها هي اليوم تحاول إشعال الجنوب من جديد عبر السودان ودارفور.
فالهدف واضح وهو تحييد مصر عن أي دور فاعل في محيطها العربي والإفريقي، واستنزاف الجيش المصري في تأمين الحدود بدلًا من أن يكون قوة ردع إقليمي حقيقية تدعم القضايا العربية والإسلامية.
إن مصر أمام لحظة مفصلية تقتضي تحركًا استراتيجيًا متوازنًا، يجمع بين دعم وحدة السودان ورفض أي محاولات لتقسيمه أو انفصال دارفور.مع تعزيز الوجود المصري في الجنوب سياسيًا واستخباراتيًا وتنمويًا. كما لابد التنسيق مع دول الجوار الإفريقي (تشاد، جنوب السودان، وإثيوبيا بحذر والعمق الاستراتيجي مع الكونغو الديموقراطية) لمنع توظيف الأزمة ضد الأمن القومي المصري. والأهم تحييد القوى الإقليمية المتورطة عبر الدبلوماسية الحازمة وكشف الدور الصهيو.ني في إشعال النزاعات.
والجدير بالذكر أن ما يجري في السودان ليس مجرد حرب أهلية، بل حرب على هوية المنطقة واستقرارها. ومصر، التي كانت دائمًا العمود الفقري للعالم العربي والإفريقي، مطالبة باليقظة والحسم في حماية أمنها القومي.
إن ترك السودان ينهار أو يسمح بتقسيمه هو بمثابة فتح ثغرة خطيرة في الجدار الجنوبي للأمن المصري، وهو ما تسعى إليه قوى الشر في المنطقة تحت شعارات زائفة. فالمعركة لم تعد فقط على أرض السودان، بل على حدود مصر ومستقبلها الإقليمي. وللحديث بقية
مع خالص تحياتي
د. أشرف عطيه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى